التجديد الدينى وقنبلة الدخان
إن الغاية من إلقاء هذه القنبلة الدخانية - ملف التجديد - هو إجراء عملية تجميل وإعادة تدوير لرجل السياسة الذى فشل - حتى فى دولة المواطنة -وإلصاق أسباب التخلف وعدم استئناف النهضة برجل الدين الذى لا يمتلك أدوات تنفيذ وممارسة النهضة على المستوى التطبيقى فضلا عن كونه لا يعدو أكثر من كونه مجرد مشارك فى فى أدةات النهضة من الناحية النظرية مع آخرين
من الاخطاء المركزية فى تاريخ الفكر الإسلامي الحديث أن يتسبب السياسى فى صناعة التخلف واستيراده وتوطينه ثم يقوم بتوجيه أصابع الإتهام إلى الدينى بأنه سبب التخلف - علما بأنه مشارك - وأن الخطاب الدينى يحتاج إلى تجديد -وهذا حقيقى - لمناسبة العصر
الدين لا يصنع النهضة - من الناحية التطبيقية - الذى يصنع النهضة هو العقل الانسانى أما الدين فقط فإنه يدعوا إلي النهضة فيقوم العقل بصناعتها ثم يأتى دور الدين مرة أخرى لتوجيهها إلى الغاية منها ومن ثم حمايتها وديمومتها
ومن هنا يتم تحديد الأدوار والمسئوليات عن فشل التجديد
إن الملف الرئيسى الأكثر حاجة فى العالم الاسلامى ليس ملف التجديد الدينى - قنبلة الدخان - الذى يتم توظيفه وتوجيهه لخدمة السياسى
إن الملف المركزى والذى نحتاج إلى إعادة إنتاجه وبلورة مفاهيمه وصياغته من جديد هو (ملف النهضة والتقدم ) والذى يتفرع منه ملف التجديد فلو كان ثمة نهوض قائم ما إحتجنا إلى طرح ملف التجديد فى آتون المعركة الفكرية القائمة علما بأنه لا علاقة بين ملف التجديد المزعوم وحالة التخلف القائمة
ان السبب الرئيسى لفشل ملف التجديد الدينى فى الوقت الراهن يتمثل فى كون هذا الملف سياسى بواجهة حداثية لا اسلامية بالدرجة الاولى الهدف منه ليس التجديد كما هو معلن وإنما تكييف الدينى ليتوائم مع السياسى والتغطية على فشله بإلصاق التهمة برجل الدين رغم كونه لا علاقة له بإمتلاك الآليات المتعلقة بالتجديد الذى هو فرع من النهضة والذى هو غير مسئول عنها
والسؤال المحورى : لماذا هو غير مسئول عن النهضة ؟؟!!
والجواب :
هل رجل الدين مسئول عن منظومة التعليم أو منظومة الصحة أو الإدارة أو التكنولوجيا أو ....الخ
والسؤال الأخطر من هذا : لماذا تخلى السياسى عن رجل الدين ؟؟!! لماذا لا يعتبره موجودا فى المعادلة ؟؟
والجواب بكلمتين صراحة : السياسى معذور فرجل الدين عندنا مات منذ قرون !!!!
إنسحب من المعادلة الحضارية تماما
ولأنه غير مسئول عن المكون الحضارى من الناحية التطبيقية ترك التنظير لها والذى هو من المسئولين عنه
والأخطر من ذلك أنه حول الخطاب الدينى إلى بناء الفرد وليس بناء الدولة
وكان شغله الشاغل هو فقه الماضى قبل المستقبل والأحكام قبل المقاصد والتطبيق قبل المآلات
كان آخرهم الإمام الجوينى
علما بأن السياسى ساعد فى هذا الخطأ المركب
إذ أن السياسى يريد الفقيه الذى يصدر الأحكام حتى إذا فشل السياسى ألقى المسئولية على عاتقه
السياسى لا يريد من يؤرقه بملف الحقوق والحريات وما شابه ......فليحترق ملف التجديد عندئذ
من ناحية أخرى لو افترضنا جدلا مسئولية الدينى عن ملف التجديد والذى فشل فإن السياسى مسئول عن ملف الحداثة والنهضة والتقدم فضلا عن الملفات الفرعية كالحقوق والحريات والعدالة وتداول السلطة وقد فشل فى كل هذه الملفات بجدارة
إننا لا نستطيع محاسبة السياسى على فشله فى كل هذه الملفات المركزية رغم امتلاكه المقومات والآليات وكونه المسئول الإول عنها بلا مشارك ولا معرقل له بينما نقوم بجلد الدينى لفشله فى ملف التجديد ومحاسبته على مآلات الإستبداد رغم كونه مسئول مشارك مع آخرين وكونهم لا يقلون عنه مسئولية عن هذا الملف الفرعى
إن السياسى يريد تطويع ملف التجديد لهواه فضلا عن تطويعه النظام العالمى
السبب الآخر الآخر لفشل ملف التجديد هو قيام السياسى بتحديد ملفات التجديد وموضوعاته
فملف التجديد الدينى من منظوره يتمحور حول أنسنة الاسلام أو عقلنته أو أرخنته
على أن تكون هذه المحاور الثلاثة للتجديد تدور فى فلك دولة المواطنة لا دولة الأمة أو الخلافة أو حتى العروبة ولا تتضمن هذه المحاور أى حديث فى التجديد عن الحقوق أو الحريات من المنظور السياسى بالرغم من السماح بها من المنظور الدينى ( بمعنى : من حقك أن تلحد أو تختار الإله لكن ليس من حقك أن تختار السياسى الذى تراه )
المشكلة الأخرى أن الذى يتولى ملف التجديد هم الفقهاء !!!! وهذه مشكلة
الفقيه نادرا ما يجدد الفقيه يهتم بثبات الأحكام ونقل النصوص فى قوالبها النصية فقط
من المستحيل تجديد الخطاب الدينى بدون الاعتماد على الفلسفة والمدرسة العقلية والعلوم الإنسانية والسياسية والإجتماعية وعلم النفس علما بأننا متخلفون فى كل هذه العلوم
يجب دمج هذه العلوم مع علوم الشريعة وفى هذه الحالة يخرج لنا الفقية المجدد
..............
صلاح عبد الفتاح محمد